تعد الطفولة مرحلة أساسية في حياة الإنسان إذ من خلالها تشكل شخصية الطفل بأبعادها المعرفية والانفعالية والسلوكية وفيها يتم زرع البذور الأولى لنمو قدراته ومواهبه وتحرير اتجاهاته وميولاته وثقافته، وقد حظيت هذه المرحلة بإهتمام بالغ من قبل علماء النفس بإعتبار الطفل عنصر أساسي لتقدم المجتمع.
كما أن للأسرة دور فعال في تنشئة الطفل ورعايته لأنها الخلية الأولى التي يتربى فيها ويحظى بالحب والأمان لكن في بعض الأحيان تشاء الأقدار إلى أن يعيش الطفل بلا أسرة وبلا إستقرار روحي بسبب التصرف الصبياني لبعض الشباب والمراهقين الذين يقومون بعلاقات غير شرعية خارج إطار الزواج ويقع حمل ويأخذ الأمر حلا غير منطقي في التخلي عن الطفل بذريعة الإختباء والإبتعاد عن الفضيحة أو في بعض الأحيان التخلي عن الطفل لأسباب إقتصادية وإجتماعية أو بسبب الطلاق أو أن يكون الطفل يتيم الأبوين فتأخذ الحياة مجرى آخر في حياة الطفل وهي مؤسسات الرعاية الإجتماعية التي تتكفل بهؤلاء المتخلى عنهم واليتامى.
فالمؤسسات التي تتكفل بهؤلاء الأطفال لا تتعرض لأية مراقبة أو مصاحبة بل غالبا ما يتخذ الموضوع طابعا بيروقراطيا صرفا والجمعيات ذات المنفعة العامة التي ذكرها المشرع يفتقد جلها لأطر كفأة وموارد مالية قادرة على تلبية إحتياجات هذه الطفولة المظلومة ولعل الدولة قد تملصت من مسؤوليتها اتجاه هؤلاء الأطفال واتكلت على الجمعيات تتخبط تحت مشاكل مادية و لوجيستيكية وأغلب المشتغلين بها لا يملكون كفايات وكفاءات في مجال الطفولة المتخلى عنهم واليتامى التي تتميز بخصائص سيكولوجية مختلفة تجعلها عرضة لعدة عقد نفسية وإجتماعية إذ ما أسيئ التعامل معها.
إن المجتمع أمام هذا الوضع لا يمكن أن يضيع عليه طاقات يمكن أن تكون هامة قد تساهم إن أعطيت لها الفرصة في تقدمه وازدهاره ورخائه ، وبالتالي بات من الملح البحث عن برامج إدماجية تساعد هذه الشريحة الإجتماعية الهامة على الإندماج في بيئتها والعيش في ظل جو من التكافل الإجتماعي مع أفراد المجتمع إنطلاقا من مقاربة شاملة تتجاوز مفاهيم الشفقة والصدقة والإحسان إلى نوع من التضامن والإخاء الإجتماعي الذي ينبني على مفهوم أوسع لثقافة المواطنة بما تحمله من قيم العدالة الإجتماعية وما يترتب عنها من مساواة في الحقوق والواجبات ومن الممكن التخفيف من معانات هؤلاء الأطفال بإجراءات بسيطة من قبل تسجيل وملاحظة أدق المعطيات والعلامات التي توجد على الطفل أثناء إكتشافه لأول مرة لأنها ستكون ثمينة في المستقبل بدون شكل وربما عند الحفاظ على هذه الحيثيات نكون قد ساهمنا في إنقاذ كرامة إنسان شاءت له الأقدار أن يحيا بلا هوية بيولوجية وحتى إذا ما صحا ضمير أبويه لاحقا، فستكون لكل معلومة تافهة في نظرنا قيمتها في رحلة البحث عن الأصل البيولوجي في مجتمع لا يرحم من إنتزاع هذا الحق.
إن كل هذا الحيف والظلم المجتمعي الذي يمارس عليه يؤثر سلبا على وجوده الاجتماعي وكينه السيكولوجي مما يفقده الثقة في نفسه وفي الآخرين على السواء، ويجعل شخصيته مهزوزة وضعيفة تحول دون نسجه لعلاقات عادية مع الأفراد وبالتالي عدم القدرة على تحقيق إندماج اجتماعي طبيعي ليتولد، لديه مشاعر من الإحباط الإجتماعي والإنكسار النفسي تجعله غير قادر على الانصهار في مسار تنمية وخدمة المجتمع الذي لا يمثل عنده سوى مجموعة قاهرة ترمقه بنضرة ممزوجة بالإحتقار والنفور.
و إنطلاقا من هذه الإكراهات التي يتخبط فيها الأطفال المتخلى عنهم واليتامى ومن خلال تجربتي في مركز الرعاية الإجتماعية التي سبق لي أن أخذت فيها تداريب متعلقة بالأطفال المتخلى عنهم يمكن القول أن هذه الفئة تعيش وضعية صعبة و مزرية تترك في الإنسان العديد من الحلول الممكن إستعمالها، وتأتت لي الفرصة مع "معهد دراما بلا حدود الدولي " لتدريب المدربين في هذا المجال وهي" السيكودراما تقنيات في التأهيل والعلاج " من تأطير الدكتورة "دلال مقاري باوش" وورشة ثانية من تأطير نفس الدكتورة مع تطعيم الورشة بالدكتور "عبد الكريم عبد الجواد اللواتي" تحت عنوان "السيكودراما والمسرح " مما جعلني أحب و أحبد هذه المبادرة الإنسانية التي تبحث عن جوهر الذات وبعث الروح والأمل فيها من جديد و إعطائه نظرة أخرى للحياة من جديد ونفض الغبار عن الذات ، لأنني فعلا كنت إنسان آخر قبل هذه المبادرة الإنسانية والآن أصبحت إنسان آخر كله أمل وكله حيوية، وانطلاقا من تجربتي السابقة في العمل "كمساعد إجتماعي ومؤطر" في "مؤسسة الرعاية الإجتماعية" والورشة التي إستفدت منها مع "معهد دراما بلا حدود الدولي"، وإنطلاقا من الموضوع الذي بين أيدينا يمكننا أن نتساءل ونطرح السؤال أو الأسئلة التالية :ما معنى السايكودراما؟ وما هو دور السايكو دراما في إعادة تأهيل الأطفال المتخلى عنهم واليتامى؟وما هي الأدوات المطلوبة نظريا وعمليا في هذا الميدان؟ وماهي الأهذاف التي يهذف إليها البحث من خلال هذه الدراسة؟
إرتباطا بالموضوع فقد بدأ الطبيب النفسي الأمريكي من أصل نمساوي "جاكوب مارينو" منذ عام 1917 إستخدام السايكودراما كوسيلة لعلاج وإعادة الإتزان للأشخاص الذين يعانون من الصدمات أو مشاكل الطفولة أو خلل في الشخصية أسبابه غير معروفة أو خلل في التعامل مع المجتمع أو بعض الأفراد وحتى كراهية النفس، وتطور هذا الأسلوب العلاجي على مدى القرن الماضي في الولايات المتحدة و أوروبا بينما بدأت بعض الدول العربية إستخدامها متأخرة، كما تأسس معهد دراما بلا حدود الدولي في ألمانيا الذي يضم العديد من الدكاترة العرب الذين صبوا إهتمامهم في هذا المجال من أجل تطويره ونشره في الدول العربية وبعث الروح والأمل فيهم من جديد فالسايكودراما تعتمد، على التلقائية الدرامية حيث يطلب من الأشخاص أداء أدوار مسرحية دون إرتباط بكتابة سابقة أو تحديد للنص كما أنها تنتقل في الأزمنة لتستحضر مشهدا من الماضي أو تنتقل لجلبه من المستقبل أو تعاود طرح الحاضر بصيغة مغايرة.
ومن هنا يمكن القول أن للسايكودراما دور كبير في إعادة تأهيل الأطفال المتخلى عنهم واليتامى لأنهم غالبا ما نجدهم أطفال مضطربين نفسيا وغير متحمسين للحياة لأنهم يعتبرون أنفسهم غير موجودين أصلا في هذه الحياة ويعتبرون أنفسهم جسد بلا روح.
وبالتالي فالعمل بهذا المنهج في هذه المؤسسات الإجتماعية يمكن أن تتيح لللأطفال الفرصة للتعبير عن ما يخالج النفس و أن يفرغ كل المكبوتات المحصورة دائما في ذاته والتي غالبا ما يفجرها بطريقة إيجابية من أجل الخروج من العالم المظلم إلى عالم النور والبحث عن سر الذات وجوهرها من خلال التنفيس عن طريق التفريغ سواء بالبكاء أو بالكلمات أو بردود الفعل والتي تشعر الفرد بتضامن الآخرين معه، كذالك غرس الأمل فيه فاليتيم أو المتخلى عنه متواجد في جماعة و إحساسه بأن هناك مشاركين له في المشكلة يغرس الأمل بداخله وتتولد لديه الرغبة في التحول والتغير إلى الأفضل وذالك بالوصول إلى مخازن العقل وإزالة المشاعر غير المرغوب فيها إلى تجربة مرغوب فيها كما أنها تمكن النتخلى عنهم واليتامى من البوح بالكثير مما يكتمونه مما يخفف من حدة الإنفعالات و الآلام النفسية .
تعطي ثقافة عامة ممتازة
تحسن التكيف والقدرة على تكوين العلاقات الإجتماعية
تدعم الشعور بالإنتماء إلى مجموعة من الزملاء.
تعطي القدرة على التخيل وإخراج ما في العقل الباطن .
تتيح التداخل مع الآخرين للوصول إلى مرحلة التفاعل
تعطي القدرة على التخمين التي تعكس قدرة الشخص على التفكير الواعي لمشاعر خاطئة كان يؤمن بها. وتعد السايكودراما طريقة علاج حية نشطة وفعالة وذالك عن طريق التعامل مع الماضي أو مع المشكلات المتوقعةكما لو كان الصراع يحدث الأنس فالمشاعر الشديدة القوة يتم إخراجها على نحو نموذجي وقد صممت هذه العملية بحيث تكون خبرة إنفعالية سليمة وبعد حدوث مستوى كبير من الإستبصار.
كما أن تقنية السايكودراما تستلزم خمس وسائل عملية هي:
1) خشبة المسرح أي مساحة واسعة تسمح بالحركة وتحافظ على الخصوصية مع عدم الإحتياج لديكور أو ملابس خاصة.
2) المخرج (المعالج) الذي يخطط مشاهد المسرحية ويحدد لوحاتها ويشجع الممثلين على تشخيص الأدوار لتحريرهم من عقدهم ومخاوفهم.
3) الممثل الرئيسي البطل (الطفل) صاحب المشكلة الذي ينصب حوله العمل ويمثل دورا إرتجاليا بطريقة عفوية مع إختياره للنص يريد أن يؤديه على خشبة المسرح.
4) الممثلون المساعدون الذين يشاركون مع الممثل الرئيسي في أداء المسرحية وتشخيصها فنيا ونفسيا يختارهم البطل.
5) المشاهدون الذين يتابعون المسرحية وهم بالأساس أعضاء بنفس المجموعة العلاجية.
كما أن للعملية السيكودرامية مراحل :
مرحلة التهييئ
مرحلة التمثيل
مرحلة المناقشة
هذه المراحل تعطي للطفل المعالج الإستعداد الكامل من الناحية الحركية والنفسية والعقلية
ولتوصيف العمل نظريا وعمليا يمكن القيام بتمارين للذاكرة والتركيز وتلقائية التعبير
- رمي الكرة إلى الآخر مع إيجاد فعل مناسب ومغزى لكلمة بلا.
- تمارين الجسد والحركة، الطاقة المفعمة في الجسد كإستخراج الطاقة من البطن والتعرف عليها وتناقلها من شخص لآخر.
- استعمال تمارين الطاقة الخلفية عبر المساج بإستخدام الكرة الشوكية
- استعمال تمرين كل يصنع حكايته عبر فن الكولاج و إيجاد معادل لما في داخل الطفل المتخلى عنه أو اليتيم
- إستعمال تمرين تحفيز الموروتات الثقافية في البيئة المحلية عبر الموسيقى والغناء والحكاية الشعبية لإنعاش دور البيئة في إحتضان الأطفال المتخلى عنهم واليتامى.
- إستعمال تمارين التواصل
- إستعمال تمارين تمرير الكرة دون إيذاء الآخر أو دون سقوط الكرة في الأرض
- إستعمال تمارين للصوت عبر الغناء والتدرب على السلم الموسيقي
- إستعمال تمارين الحركة والصور
قراءة قصة قصيرة أو مقاطع شعرية بأشكال مختلفة وحالات متعددة تم ترديدكلمة نتبناها كصورة أو فعل
- إستعمال تمارين الإرتجال والخيال
إنهاء الدردشة
- إبداع قصة بشكل عفوي ما بين الحدث والمكان والزمان والغاية من تناولها مع مشاركة المتلقي في تعزيز وتغذية الفكرة والأحداث
- إستعمال تمرين التعبير عن الفقدان والحرمان والتعايش مع الصدمة عبر إستخدام عائلة الدمى و إختلال التوازن بعد الفقدان
- استعمال تمرين التنفيس و إستخراج الطاقة السلبية بإستخدام تقنية التعايش للتنفيس
- استعمال تمرين تذهير الذات و الآخر و المحيط
- تمارين العلاج بالحكاية :أن نروي حكايتنا الشخصية أو حكاية مرتجلة
- استعمال تمارين البحث عن مفهوم العائلة عبر معنى البيت ومن هي العائلة وهو تمرين لإفراغ التصورات حول مفهوم العائلة والتحريض على تقبل القدر في إختلال التوازن في البيت والعائلة استعمال تمارين البحث عن الذات بعد الصدمة والمواجهة مع الذات وكيف سأصل لأهذافي
- استعمال تمارين جماعية لتطوير العلاقة مع الآخر والإحساس بروح الجماعة وتكامل الطاقة عبر تمرير الطاقة من خلال الأيادي المتشابهة.
- إستعمال التعايش مع المكان و الإنتقال من المغلق إلى المفتوح وإيجاد علاقة مع المكان والمحيط كذالك الخروج إلى الطبيعة والتأمل فيها والغوص في الذات لتفريغ كل الطاقة السلبية من الداخل إلى الخارج .
إن كل هذه الوسائل والتقنيات ستجعل الأطفال المتخلى عنهم يحسون أنهم دائما متجددين لأنهم يحتاجون إلى تفريغ كل الطاقات السلبية لأنهم فئة تحتاج كل الحب و العطف و الحنان وهي وسائل مقتطفة من ورشات الدكتورة "دلال مقاري باوش ".
إن الهذف الرئيسي من العلاج بالدراما السايكولوجية هو تعليم الأطفال المتخلى عنهم و اليتامى من إضطراب
نفسي كيفية التكيف مع الآخرين بحيث يكون التفاعل معهم لا يمثل عنصرا من عناصر الضغط عليهم و إنما يحقق ما يسمى بالصحة النفسية على طول الخط مع المحيطين أو عدم الوصول إلى الإختلال النفسي في حالة التعرض الفعلي للضغوط وتفجير الطاقة الكامنة بحثا عن التوازن الداخلي أولا و التواصل المنسجم مع الآخر ثانيا رغبة في نوع من التكيف و التصالح مع البيئة الإجتماعية و تحرير الطاقات والقدرات التعبيرية والتلقائية وإستثمارها وغرس الأمل في الأطفال المتخلى لتتوالى لديهم الرغبة في التحول والتغير إلى الأفضل وإزالة المشاعر الغير مرغوب فيها
إن منهج السايكودراما يعمل على زرع الروح الحقيقية والبحث عن المعنى الحقيقي للذات والتحرر من الطاقات السلبية التي تكبل الإنسان وتتركه دائما يتخبط ويعاني في صمت وهو منهج له إمتياز كبير عن باقي المناهج الأخرى.
من إعداد : جليل ديب
إشراف : الدكتورة دلال مقاري باوش