الثلاثاء، 31 يناير 2017

السايكودراما في علاج ظاهرة الهجرة السرية

السايكودراما في علاج ظاهرة الهجرة السرية

السايكودراما في علاج ظاهرة الهجرة السرية


الهجرة غير الشرعية

تمهيد:

يَرغب الإنسان بطبيعته إلى الانتقال والتّرحال من مكانٍ إلى آخر سعياً للبحث عن أماكن أكثر جودة للعيش والسكن والأمن أيضاً ممّا هو فيه، حتى أصبحت الهِجرة ظاهرةً متفشّيةً بين بني البشر، فينتقل الأفراد من المَوطن الأصلي إلى أماكن أخرى في الأرض بحثاً عن أماكن تُوفّر لهم ما يحتاجونه من مُتطلّبات وما يفتقرون له وتتعددّ أنواع الهِجرة إلى عدة أنواع، ومنها: الهجرة الداخلية وتتمثل بانتقال الأفراد والجماعات داخل حدود الدولة الواحدة وغالباً ما تكون من الأرياف إلى المدن، والهجرة الخارجيّة وهي التي تكون بين الأقطار حول العالم، أمّا فيما يتعلّق بأنواع الهجرة من حيث شرعيّتها فإنّها تُقسم إلى هجرة شرعيّة وأخرى غير شرعية؛ إذ يُمكننا القول بأنّ الهجرة الشرعيّة هي تلك الهجرة التي تسير وفق الإجراءات والقوانين المرسومة من قبل الجهات الرسمية ودون أيّ مخالفةٍ لها.

والهجرة غير الشرعية تُعرف أيضاً بالهجرة غير المشروعة، والهجرة السريّة، وهي عمليّة انتقال الأفراد والجماعات بين الدّول بطريقةٍ غير قانونية، وتكون خارقةً للقوانين والإجراءات للبلد المهجور إليه؛ حيث يدخلها المُهاجر دون الحصولِ على تأشيرة دُخول، وتُشير الدّراسات إلى أنّ مُعظم المهاجرين غير الشرعيين هم من سُكّان دول العالم الثالث؛ إذ يَركبون المخاطر للفرار من الأوضاع الراهنة في بلادهم سعياً للوصول إلى الدّول المتقدمة كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ويذكر بأنّه في الآونة الأخيرة قد سُجلّت أعدادٌ كبيرة من حالات محاولات الهرب والهجرة غير الشرعيّة للفقراء ودول العالم الثالث، هذا وتحرص الحكومة الأمريكيّة كلّ الحرص على توفير الحِماية والأمان لحدودها من تدفّق المهاجرين غير الشرعيين، وتجّار الأسلِحة أيضاً، ومن الملاحظ أنه يقع كثير من الشباب في شباك عصابات سماسرة الهجرة الغير شرعية، بعد أن يقدم الساحر سحره ويعرض لهم أحلام سوف تجعل منهم أثرياء أصحاب مال وأعمال توفر لهم ما هو أفضل بين أقرانهم، وهنا يصبح الشباب فريسة سهله المنال لسماسرة البشر وعصابات الهجرة غير الشرعية.

ومع تزايد وتيرة الطمع وحب جمع المال السريع وحماس الشباب يضعف الشاب أمام هذه المغريات و الأحلام الزائفة التي دائما ما تنتهي في عرض البحر، أو تحت أشعة الشمس الحارقة في الصحراء، أو برصاص حرس حدود الدول، التي قد يقصد وجهتها هؤلاء الشباب ليصطدموا بواقع مميت، ليتركوا لأسرهم الحسرة والحزن، والمال الوفير لعصابات "سماسرة الموت"، وهم بذلك يتاجرون بأرواحهم لتحقيق حلم كثيرا ما راودهم , حلم النجاح بعد الفشل، كحلم العليل بصحة البدن , شباب لم يجد وسيلة للعيش الكريم في أوطانهم , بالإضافة إلى اصطدامهم بسوء الأحوال السياسية والإقتصادية والاجتماعية، ففروا باحثين عن النجاة، حالمين بحياة أفضل، حيث فرص العمل الوفيرة والمردود المالي الجيد، قياسا مع اقتصاد بلدانهم المتدني، فما الذي يدفع الإنسان إلى اختيار الموت بدلا من العيش في بلده؟ ولماذا نجد فئة الشباب هي الفئة المهيمنة على الهجرة السرية؟ وما هي العوامل المساهمة إلى اختيار هاته الطرق المظلمة؟ وكيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟ وسنتطرق للإجابة على هاته الأسئلة بأخذ بلد المغرب كأنموذج يعاني من هاته الظاهرة.

في السنوات التي مضت لم يكن مصطلح " الحريك" بالمألوف بالنسبة لأذن المواطن المغربي، لكنه أصبح الآن مصطلحا دارجا و متداولا في الشارع، و"الحريك"هي كلمة باللهجة المغربية تعني " الهجرة السرية" ، و تنطق هذه الكلمة بتغليظ الكاف ، و هي تعني أن صاحبها " يحرق" كل المراحل و ربما كل أوراق هويته، متجها نحو أوروبا عن طريق سبل عدة، لكن ، متى بدأت هذه الظاهرة في الاستفحال بالمجتمع المغربي، لا يمكننا - مهما حاولنا - أن نذكر تاريخا محددا لهذه البداية، لكننا نستطيع أن نقول - بثقة - أن أوائل التسعينات كانت فترة البداية ، خصوصا بعد القولة الشهيرة ل" فيليبي غونزاليس " رئيس وزراء إسبانيا الأسبق: " لو كنت مواطنا من دول الجنوب، لغامرت أكثر من مرة حتى الوصول إلى أوروبا" و لا أحد يستطيع أن ينكر ما كان لهذا القول وقتها من تأثير على الشباب المغربي ، و الإفريقي على وجه العموم.

خاصة بعد أن فرضت دول الاتحاد الأوروبي وقتها التأشيرة، بعدما كان بإمكان كل مغربي السفر إلى هناك بجواز السفر فقط و لكن لا يمكن اعتبار فرض التأشيرة سببا أوليا للهجرة السرية حتى بفرض أن " كل ممنوع مرغوب" ، فلا أحد يلقي بنفسه في عرض البحر معرضا حياته للخطر، فقط من أجل كسر القوانين، ويمثل المهاجرون السريون القادمون من البلدان الافريقية جنوب الصحراء المكون الرئيسي لهذه الظاهرة التي لا تخفى امتداداتها الدولية. في حين شهدت حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة نوعا من الجمود وتراجعا منذ 2002 ، وهو التراجع الذي يعود على الخصوص إلى الإجراءات الأمنية الرادعة المتخذة من طرف السلطات المغربية وكذا من خلال حملات التحسيس حول مخاطر الهجرة السرية .

فلماذا إذن يهاجر هؤلاء تاركين وراءهم أحبابهم و أهلهم و بلدهم أيضا؟ تقول الإحصائيات أن البطالة ارتفعت بشكل تصاعدي منذ منتصف الثمانينات بالمغرب، مجازون، دكاترة، مهندسون، كل هؤلاء لم تعد تشفع لهم شهاداتهم للحصول على عمل، و بدأت الآفاق تضيق يوما عن يوم حتى لتكاد تنغلق، و الآلف من خريجي الجامعات يقارعون البطالة و يرون أن السنوات التي أمضوها في الدراسة لم تنجح سوى في إعطائهم لقب "معطل". و يرون - بعين الألم - من كتب لهم و سافروا إلى أوروبا يعودون بسيارات من أحدث طراز و هواتف محمولة ثمينة.

ترى، ماذا سيكون شعور شخص يعيش هذا الواقع بشكل يومي ، يقول أحد المعطلين في الرابعة و الثلاثين من عمره معبرا عن حاله : " إنه اليأس ، أشعر بالاختناق حقا، تصور أنني أخجل من دخول البيت كي لا أنظر في عيون والديّ اللذين كانا يتمنيان بأن أصبح موظفا أو أستاذا، و كانا يعتمدان عليّ في المساعدة في مصروف البيت، الذي يتكون من ستة أفراد، كل الأحلام تبخرت ، الأعوام تمر و لا انفراج في الأفق، و لو وجدت فرصة للهجرة لما ترددت و لا لحظة واحدة ، و أيا كانت الوسيلة".

ما ذكره هذا المعطل هو ما يعانيه أغلب المعطلين بالمغرب، و أنت تسألهم " لماذا تغادرون بلدكم، أليست أولى بكم ؟" يفحمونك بإجاباتهم " و ما الذي سنفعله هنا؟" لا إجابات طبعا.

هذا من جهة، من جهة أخرى يمكن أن نقول أن للإعلام تأثيره الذي لا يمكن إغفاله حيث يظهر أوروبا على أنها جنة النعيم التي تمطر الأموال مدرارا، والجالية المغربية بالخارج تكرس هذه الفكرة أيضا، و ذلك عندما يعود العمال المهاجرون بالخارج و آثار النعمة بادية عليهم، لكن أي ملاحظ جيد يمكن أن يدرك ، دون كبير عناء، أن الظروف قاسية هناك و أن تلك السيارات و كل ما يتبعها هي مجرد قروض لا تلبث أن ترد حال العودة إلى أوروبا.

ولقد تعددت الأسباب والدوافع التي تدفع الشباب إلى التفكير في الهجرة، وتتجلى أساساً في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب، كما تبرز أسباب أخرى ذات أهمية بالغة في توجيه تيارات الهجرة السرية، ومن ضمنها القرب الجغرافي وكذلك التمثلات التي يحملها بعض الشباب حول أوروبا كأرض خلاص.

ü الأسباب الاقتصادية:

يتميز اقتصاد المغرب بهشاشته وتبعيته للغرب في إطار النهج الليبرالي، هذه التبعية فرضت انصياع المغرب لشروط وتوصيات المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس، وهو ما أدى إلى تضرر الاقتصاد المغربي الذي يعاني من ضعف التجهيزات في ظل المنافسة غير المتكافئة، الأمر الذي نتج عنه تراجع في الأنشطة الاقتصادية التقليدية من صناعة تقليدية محلية، وتضاءلت معه فرص الشغل، ونتج عن ذلك ارتفاع مهول في نسبة البطالة بين الشباب المغربي، فطبقاً لإحصاءات أوردها البنك الدولي قدرت البطالة في صفوف الشباب حوالي (37%) من نسبة البطالة الكلية بالمغرب(3)، في حين نجد أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى بعض الأرقام ذات الدلالة، وذلك أن عدد العاطلين ضمن شريحة الشباب التي يتراوح سنها بين 15و24 سنة والتي يقدر عددها بمئتين وثلاثة ملايين وسبعة وسبعين وتسعمئة وألف، قد بلغ سنة2005 (316) ألف و(803 )، كما أن عدد العاطلين في الشريحة التي يتراوح عمرها ما بين 25 و 34 سنة قد قاربت في ذات السنة (370 ألفاً)، بالإضافة إلى ما يزيد عن (100 ألف) من حاملي الشهادات(4)

نسبة البطالة هذه مست بشكل كبير الشباب من حاملي الشهادات العليا، وهو ما خلف استياءً في أوساط هذه الفئة بصفة خاصة، وفي أوساط المجتمع المغربي بصفة عامة، مما أدى ببعضهم إلى عزوف أبنائهم عن متابعة لدراستهم الجامعية والعليا!.

ü الأسباب الاجتماعية:

إن فشل المغرب في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية يعود إلى طبيعة الأهداف التي بني من أجلها النهج الإداري، وإخضاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية لمقتضيات القرار السياسي، وليس العكس، كما هو الشأن في الأنظمة الديمقراطية.

فمع تفاقم أزمة الاندماج الاجتماعي داخل حياة المجتمع المغربي، ومع التغيرات السوسيو ثقافية التي عرفتها عناصر منظومته الاجتماعية، إلى جانب التحولات الدولية، وتراجع الأيديولوجيات الكبرى داخل المجتمعات
(الثالثية) أصبح التفكير في الهجرة حلاً لهذه الأزمة عند معظم أفراد المجتمع المغربي، وبخاصة شريحة الشباب.

ü الأسباب السياسية:

إن إنتهاج المغرب لاستراتيجية التناوب على السلطة بين الأحزاب السياسية زادت من تخلف المجتمع المغربي، لأن هَمّ هذه الأحزاب هو تكديس الثروات والتسابق على المناصب السياسية والإدارية لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية، مما جعل المغرب لا يحقق التنمية المنشودة لجميع فئات المجتمع المغربي، فالأحزاب السياسية في المغرب دائماً تتحدث عن الديمقراطية وعن الانتقال الديمقراطي والتغيير، وتوهم المسؤولين بنجاح تدبير الشأن العام لسياستهم وفقاً لتقارير لا يعرفها إلا المستفيدون، وهم أعضاء المكاتب السياسية للأحزاب وحاشيتهم ، وإنّ ما يوضح فشل هذه الأحزاب وبرامجها هو عدم قدرتها على تقديم برامج تتحقق فيها آمال الشعب المغربي وأحلامه التي تتبخر مع كل سياسة حكومية جديدة، فالواقع يؤكد على استمرارية الاقتراض من الخارج وخاصة من البنك الدولي وتوابعه، ومزيد من خصخصة المنشآت الوطنية والتفويت فيها للأجانب، والنتيجة هي استفحال البطالة بين الشباب المغربي.

إن الأحزاب السياسية تعتبر من أهم الأسباب في تخلف المجتمع المغربي لأنها عادة ما تهمل الشأن الاجتماعي وتتضافر مع الحكومة في إبقاء الباب مغلقاً في وجه حاملي الشهادات العليا، إن هذه الأحزاب ساهمت في تفشي الفساد وشل التقدم والنمو وحركة التطور، فالواقع المغربي يشهد على أن ألاَّ جديد هناك ولا ديمقراطية تتحقق في المستقبل المنظور مادامت هذه الأحزاب تسير في نهجها التقليدي، وما تزايد نسب عزوف الشباب المغربي وغيره من الفئات الاخرى عن المشاركة في الأحزاب السياسية سوى مؤشر قوي على سلبيتها وعدم فائدتها حيث أصبحت عاملاً معوقاً للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية.

لكن هناك في المقابل تصحيح يقوده ملك البلاد في محاولة لتحقيق التنمية البشرية التي ترمي ضمن أهدافها الأساسية إلى إخراج الفئات الاجتماعية المهمشة من مأساتها وحياة الذل التي تعيشها..إنه تغيير حقيقي يستهدف الفقراء والشباب في محاولة لتحسين وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية.

ü العامل البيئي أو الجغرافي:


إضاف إلى العوامل المساهمة في الهجرة من اقتصاد وسياسة، عامل القرب من أوروبا، ذلك أن المغرب يشكل بوابة رئيسية وصلة وصل بين أفريقيا وأوروبا، هذا الموقع الجغرافي المتميز على بعد (14) كلم، ساهم في تسهيل عملية انتقال الأفارقة على العموم والمغاربة على الخصوص إلى الضفة الشمالية للمتوسط، وإذا كان القرب الجغرافي قد ساهم في فترة الفتوحات الإسلامية في تسهيل فتح الأندلس على يد طارق بن زياد فإنه أصبح اليوم وبعد مضي قرون عديدة ملاذاً لكل الذين يئسوا واستحال عيشهم، ويتطلعون لعالم آخر مختلف لم يعرفوا عنه شيئاً سوى صورة بنيت في مخيلتهم، تدفعهم إلى المخاطرة بأرواحهم وراء آمالهم وفي ظل قساوة الحياة اليومية.

إذا كان الباحثون في الدراسات السوسيولوجية الإستراتيجية يعتبرون بلدان شمال أفريقيا عموماً والمغرب على وجه التحديد، قنطرة عبور، ليس فقط لرؤوس الأموال والرساميل، وإنما أيضاً لأسراب من البشر في مقتبل أعمارهم ممن يلقون بأرواحهم وسط أمواج المتوسط تستهويهم لحظة الوصول إلى الضفة الأخرى.

والجدير بالذكر أن البطالة والتهميش التي تطبع حياة بعض الشباب المغربي لم تكن السبب الوحيد وراء تنامي ظاهرة الهجرة السرية، بل يضاف معها العامل النفسي والانبهار الخادع الذي يقع فيه الشباب المغربي بأوروبا.

ü العامل النفسي للهجرة:

قد يكون عالم الاجتماع ابن خلدون صادقاً فيما ذكره في مقدمته الشهيرة من “أن المغلوب دائماً مولع باقتداء الغالب في نحلته وأكله وملبسه وسائر أحواله وعوائده”. إنها بالفعل ضريبة جديدة من ضرائب التبعية التي تغرق فيها بلدان الجنوب ومن ضمنها المغرب، فالانبهار بدُنيا الآخر وطريقة عيشه والرغبة في محاكاته في سياق الاغتراب والبحث عن الذات المفقودة والهوية المجزأة التي ترفض البلد الأصلي وتأمل في تحقيق هوية البلد الأوروبي المستقبل، كلها تجعل الشباب يضحون بأرواحهم ويغامرون بها بين أمواج المتوسط، فالذين تكتب لهم النجاة يهرعون إلى التخلص من أوراق هوياتهم لاكتساب هوية جديدة، أما الذين استحال عليهم الوصول فلن يكون مصيرهم سوى مقابر بحرية تتسع للمئات بل للألوف.

لقد تبين من خلال دراسة حول (تصور الشباب القروي لأوضاع المهاجرين في البلدان المستقبلة) أن الغالبية العظمى من هؤلاء يستحسنون الأوضاع في البلدان الأوروبية، ويفضلونها على وضعية البطالة في بلدهم، وقد عبر عن ذلك أحدهم بقوله:”نعم أفكر في الهجرة نظراً للأوضاع المزرية في المغرب، حيث قلة الشغل، والآفاق مسدودة، هذا إضافة إلى أنه غير مرحب بك في بلدك، فالمال هويتك، صحيح أن الغرب مجهول بالنسبة لنا لأننا لسنا موجودين به، لكنه فرصة لجمع المال” .

هذه الصورة البسيطة و المعبرة هي بدون شك حالة من بين مئات الحالات التي يكشف الواقع المغربي عن وجودها، لأن غياب فرص العمل والاندماج في الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى ضعف التأطير الثقافي والسياسي الذي يمكن أن تلعبه هيئات المجتمع المدني ساهم بشكل واضح في التشجيع على الهجرة، بالإضافة إلى “التمثلات” التي يحملها الشباب المغربي عن أوروبا، وما تساهم به في تأجيج الرغبة في الهجرة دون تقدير المخاطر، فأوروبا بالنسبة للعديد منهم تعد بمثابة الفردوس المفقود والسبيل الوحيد للإنتهاء من متاهات البطالة والتشرد والتهميش، والتفكير في الهجرة يمثل الحل الأمثل لذلك.

وللحد من هاته الظاهرة، يمكن استخدام منهج السايكودراما كعلاج نفسي بديل، لإقناع صاحب فكرة الهجرة بالمكوث في بلده، فالسايكودراما هو مصطلح : يعني "الدراما النفسية"، ويتألف من كلمتين هما النفس (Psycho)، ودراما(Drama)، ومعناها السلوك والتمثيل وهو شكل من أشكال العلاج النفسي.

وتعتبر تقنيات وأساليب هذا النوع من العلاج أسلوباً متقدماً من أساليب الإرشاد والعلاج النفسي على المستوى العالمي والذي يقدم على أيدي مختصين بعلم النفس الإكلينيكي والعلاج النفسي، وقد أثبتت الدراسات نجاح الأسلوب السيكودرامي على مستوى الدراسات العالمية والتي تهتم بحالة الفرد وعلاقاته بالآخرين ومدى شعوره بالرضا والتطابق بين مشاعره الحالية والسابقة، وإذا أردنا أن نعتمد هذا النوع من العلاج النفسي، كعلاج لهاته الظاهرة، وجب علينا تتبع الخطوات التالية:

تتكون السيكودراما من ثلاث خطوات علاجية هامة أولها "التهيئة والإعداد"، ثم "الحدث" وتبدأ بالحديث مع المعالج، لاستكشاف الأوجه المختلفة للمشكلة، يعقبها "التكامل" وهي المرحلة الأخيرة من الأداء السيكودرامي، حيث يكون المعالج جاهزاً لإعادة اتزانه النفسي من خلال تنمية الإحساس بقدرته على السيطرة على مشكلته من خلال نمو استجابات سلوكية فعالة نحو المواقف الضاغطة أو المثيرة في مشكلة الشخص المعالج.

و تتميز السيكودراما بطبيعة تفعيلية هي جوهر ما يعيشه الفرد تحقيقا للرغبة في الواقع لا في الخيال. كما أنها تحقق إشباعات ذاتية واجتماعية عن طريق التمثيل. و السيكودراما هي الشكل الأساسي للعب الدور، حيث يكون الفرد ضمن مجموعة من المحيطين به ويقوم أحيانا بدور بطل العرض والمعالج يؤدي وظيفته كمخرج، ويقوم المعالجون المشاركون أو أعضاء الجماعة بلعب الأدوار الأخرى. أما الأدوار المساعدة و التي يقوم بها الآخرون ممن ينضمون إلى جماعة العمل فإنهم يجسدون جزءاً يتصل بالبطل مثل دور احد الأبناء أو الزوجة أو أي فرد من أفراد الأسرة ويتم تبادل الأدوار من حب وعطف وتقبل ذاتي .

وقد يتم الانسياق في أداء أدوار تمثل الحياة الداخلية الخاصة ببطل العرض ، والنقطة الهامة هنا هي أن يتفاعل الفرد مباشرة مع التجسيدات الممثلة للعلاقات بين الشخصية الداخلية.

ويمثل العلاج باستخدام السيكودراما نموذجا من نماذج العلاج الجمعي لجميع فئات العمر وجميع المشكلات التي تواجه الأفراد. ويجب أن يكون المعالج النفسي متمرساً ولديه مهارات عالية وقدرة متقدمة في تطبيق استراتيجيات وتقنيات السيكودراما ويضمن الحرص الدائم لسلامة الشخص المعالج، وتقبله للعملية العلاجية وتفاعلهم داخل نسق المجموعة بأسلوب درامي وأسلوب علاجي نفسي متقدم، والسيكودراما قد سبقت التقنيات العلاجية الحديثة في أنها تقوم بطريقة نشطة وحية وأكثر فاعلية في إضافة أفكار جديدة جيدة يراها المعالج تؤدي لمشاعر جديدة وسلوك جديد في حياة الفرد من الناحية الايجابية بطرق الإيحاء وغيرها. لذلك فالمجال واسع للسيكودراما للتدخل في بعض الاضطرابات النفسية لإيجاد علاج لها مستقبلاً.

خاتمة:

نشهد اليوم هجرة غير شرعية غير مسبوقة ليس بأعدادها فحسب إنما بأهميتها أيضا، إذ أنها عامل أساسي غي تطور اﻷحداث في الشرق اﻷوسط وأوروبا، فإذا أردنا توصيف ما يجري حاليا في هاتين المنطقتين فأفضل عبارة قد تكون انقلاب "السحر على الساحر"، فالثورات العربية التي انطلقة باسم حقوق الإنسان، وبتشجيع من دول عديدة ، منها الدول اﻷوروبية وبسبب ظاهرة الهجرة غير الشرعية، جعلت أوروبا وباسم حقوق الإنسان نفسها، مطالبة باستقبال المهاجرين اللذين أنتجتهم هاته الثورات. أصبحت الهجرة الغير الشرعية حبل خلاص مابين الشرق اﻷوسط وأوروبا، فعدم اﻹستقرار في الشرق اﻷوسط سيؤدي حتما إلى عدم الاستقرار في أوروبا، ومن يدري فقد تكون هجرة منظمة هادفة إلى خلق هذا الرابط فأوروبا بحاجة إلى قرار جريء بولادة قيصرية، وذلك بإظهار الحزم في المتوسط، وعلى حدودها البرية، لمنع تدفق المهاجرين، في مقابل تأمينها بدائل لهؤلاء المهاجرين، تكون تحت سيطرتها، وإلا فالحرب ستشتعل في داخل لا محالة، إنما يبقى السؤال المطروح: ( كيف يمكن للإنسان أن يعيش في بلد لا يجد فيه، أبسط مقومات الحياة الكريمة).

اعداد ; منصف بلام

اشراف : الدكتورة دلال مقاري باوش





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق